02‏/06‏/2025

طقوس خاصة



لكل منا تفاصيله وطقوسه الخاصة.
لا زلت أندهش ممن لا طقوس لديهم، ممن يستطيعون الاستيقاظ دون أن يكون لهم صباحٌ مميزٌ ليومهم.
فتلك الطقوس ونس، حيث التفاصيل الصغيرة، تسكن الروح وتشعرك بالأمان والسلام، ودفءٌ لن يشعر بوجوده إلا من يمارسها.
هناك مكان حميم، فنجان صديق وكرسي يحتضنك حين يشعر بجسدك يقترب منه.
حين أستيقظ صباحًا، أمارس طقوسي الصغيرة... بسيطةً، ربما، ولكنها حميمة، تجعلني أشعر بامتنان لتلك التفاصيل التي أصنعها لنفسي.
هناك فنجاني الذي يحتضن النسكافيه، مشروبي الصباحي.
أتناوله خاليًا من الإضافات، أستمتع بلونه الغامق بلا حليب، وتلك المرارة التي تمنح الروح نشوة الاستيقاظ، تتسلل إلى تلك الخلايا النائمة لتوقظها، فأنا لا أحب أن يمتزج الطعم الأصلي بإضافات.
صوت خافت ينبعث من جهاز الراديو... اغاني محببه لقلبي تنبعث صدفه من الاذاعه فتصنع يومى وابتسم واعتبرها رسالة السماء
هل أخبركم بشيء؟
ربما ليس سرًا ولكنه مضحك، فأنا لا أميل لاستبدال أشيائي الخاصة كثيرًا، حتى وإن كانت الأجهزة أحدث، كما يفعل البعض كأن يغير اللابتوب لأحدث أو الموبايل كل عام.
فأنا لا أستبدلهم إلا في حالة إعلان التمرد والاقتراب من النهاية، وأتردد كثيرًا في اتخاذ تلك الخطوة.
كيف سأعتاد على جهاز جديد؟
كيف سيفهم عاداتي واختياراتي؟
ربما كلماتي مضحكة، ولكنه حقًا يفهم ذلك. فمع كل جهاز أستبدله، أحتاج إلى وقت طويل حتى أشعر بالألفة معه وأقترب من تفاصيله.
ربما هي تلك التفاصيل الصغيرة التي تمنحنا شيئًا من الحميمية أو الأنس، فتكون تفاصيل شديدة الإثارة لخلايا الذكريات التي تسكننا ونُسكنها.
أنا امرأة لا تستطيع الحياة بلا طقوس خاصة وتهتم كثيرًا بالتفاصيل، لي أغنيتي الخاصة التي حين يسمعها المقربون يتذكرونني.
لوني المفضل، عطري، وزهرَتي الخاصة.
تلك التفاصيل التي يفهمها المقربون للروح، ربما تمر مرور الكرام على من لا يهتم بالطقوس ولا يفهم التفاصيل، ولكن حتمًا سيدرك معناها من يشعر بكيف تمنحك الطقوس حياة مختلفة... حياة تخصك وحدك.
أحب الطقوس وأتمنى أن أحظى بالكثير من أشيائي المفضلة دون أن أختارها أو أطلبها، كتلك اللعبة... لعبة الحظ، تختار رقمًا لتكتشف ماذا يحمل لك، أو تفتح الراديو لتكتشف أغنيتك المفضلة.
أحب الطقوس رغم تلك السخرية التي أراها في عيون البعض لتمسكي بتفاصيل صغيرة... بسيطة.
فالكثير يعتقد بأنها نوع من أنواع الخوف من الإقدام على شيء جديد أو اكتشاف مذاق مختلف، أو هي مجرد روتين يعتاد عليه الشخص الذي يمارسها ولا يستطيع الخروج من دائرتها.
لا أحد يستطيع أن يدرك بأن تلك الطقوس لا تمنعك من المغامرة والمضي قدمًا في دروب مختلفة وجديدة لا تعلم عنها شيئًا، فالطقوس في حد ذاتها عالم آخر منفصل عن كل شيء.
عالم من الإيمان المطلق برغبتك وقانونك الخاص.
فأنت تحتاج إلى جرأة كبيرة لتحتفظ بنفس المذاق والطقوس لسنوات وسنوات، وتشعر بنفس المتعة ونفس الحالة من النشوة وكأنها المرة الأولى التي تمارسها فيها.
الخروج عن الطقوس يجعلني أشعر بالتوتر واعتلال المزاج.
ربما أحاول أن أتظاهر بأن كل شيء عادي، ولكن هناك شعور من عدم الراحة يتسلل إليّ رويدًا رويدًا ويملأ روحي بالملل.
هناك شيئًا ما ناقص، شيئًا ما مفقود، حيث تظل روحي حبيسة تلك الأسوار المجهولة لحين العودة لطقوسي، وحينها تستسلم الروح لحالة من السكون وإعادة شحذ طاقتها من جديد، فتعاود ممارسة مهامها اليومية مرة أخرى.
#مها_العباسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق