31‏/05‏/2025

ظلك يكفيني



نبحث جميعًا عن تلك المساحة الآمنة التي نلجأ إليها حين ننهار، تلك المسافة التي تمثل لنا التوازن بين الاطمئنان لوجود الأنس، وبين تلك المساحة الخاصة التي تسمح لنا بالتحرر من قيود العلاقات مهما كان شكلها.
فالعلاقة التي تمنحنا الهدوء والأمان هي علاقة نادرة ومعقدة في ذات الوقت، رغم بساطتها. فكل منا يحتاج إلى مساحة يعاود فيها اكتشاف ذاته واكتشاف العالم من حوله بشكل مختلف وبعيون جديدة.
ربما طفولتنا هي التي تتحكم في غريزة الاكتشاف بداخلنا.
الأطفال عادة يلجأون إلى اكتشاف العالم من حولهم بأنفسهم، مهما حاولنا مساعدتهم، إلا أن اكتشافاتهم الذاتية هي إنجازات صغيرة يشعرون بالفخر بسببها.
مع مرور الوقت والأيام والسنوات، يتحول الاكتشاف إلى خوف من المجهول وقلق من الألم. تتصارع بداخلنا رغبة في التحرر وخوف من الخروج إلى العالم الواسع. نلجأ بلا وعي إلى المسافات الآمنة بيننا وبين من نحب، خوفًا من الفقد أو التعلق.
ربما هي طريقتنا الخاصة في معالجة أنفسنا أو حماية من صدمات الحياة.
هناك علاقة خفية بين تلك الرغبة في اكتشاف المجهول والخوف من اللاعودة. تتشابك مشاعرنا وتختلط في كثير من الأحيان حتى أننا نجهل كيف نعيد ترتيبها أو حتى إدراكها.
مع مرور الوقت والسنوات، نلجأ إلى المسافات الآمنة بيننا وبين من حولنا حتى لا ينتهي الأمر بالألم والجروح التي تدفعنا للهروب واللجوء إلى الوحدة والعزلة.
هل نظرت يومًا إلى شخص اختار الوحدة وتساءلت ما هي المعاناة التي دفعته لاختيارها والابتعاد عن الناس والتعامل بحذر مع كل من يقترب منه؟
كم تألم حتى تأرجح بين اعتزال العالم والاحتياج إلى آخر يمنحه الدفء ويشاركه تفاصيل يومه الصغيرة؟
نحتار بين الاقتراب والخوف... هكذا تسير الحياة وهكذا نمضي معها.
ومع الوقت، ستكتشف أن هناك ونسًا في الوحدة تمنحك إياه تلك العلاقات التي تتفهم المسافة الآمنة التي تحتاجها.
فربما تكون هي حيلة دفاعية تلجأ إليها لحماية قلبك وروحك من الوجع، أو لتعاود اكتشاف نفسك من جديد، وتبقى في فضاء روحك وتخلق مساحة تخصك وحدك.
#مها_العباسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق