11‏/04‏/2025

"الغريب الذي لا غُربة معه"


تندهش في كل مرة يعود فيها ويتسلل إلى عالمها بكل بساطة وهدوء ، دون عتاب منها أو لوم مهما طال الغياب فهي له شاطئ.
ولكنها تتفهم غيابه ورحيله.
اندهشت من القدر الذي يجمعهما بعد كل رحيل، ولم تملك إلا أن تبتسم وتفسح له المجال إلى جوارها.
وعندما سألها عن القهوة، أجابت باستسلام: نعم. فطلب لهما قهوة.
كانت صامتة وما زال مبتسمًا.
يتلاشى بين حدودها ولكنه يخشى الاقتراب منها، يشعر بأنها تجتاحه وتحتل كل كيانه، تمنحه كل أسباب الحياة. يتوقف... يرتجف... ويهرب بعيدًا، لا ينظر إليها، يهرب من عينيها لأنها وحدها من استطاعت اكتشاف الطفل الذي يسكنه، واحتضنته ومنحته الأمان.
يهرب منها حتى لا يبكي بين أحضان عينيها.
الهروب هو الوعد بالعودة.
يختصر وجودها كل الملامح، تحتل كل الزوايا دون أن تكون هنا.
تصل إلى أعماقه وتتسلل بهدوء لما بين ضلوعه لتؤنس اغترابه عن الآخرين، فهي الغريب الذي لا غربة معه.
قطعت الصمت حين قالت له: خفت ليه؟.
نظر إليها وازداد شرودًا.
نعم، هو شعر بالخوف.
ربما كان ينتابه الخوف من كل ما يحدث بينهما، فهو لم يعتد أن يكون طفلًا بين يدي امرأة، حتى وإن كان يعلم جيدًا أنها ستوارى ضعفه عن كل العيون.
لم يكن معتادًا على أن تحتويه أخرى وتحتله ويستسلم لها ببساطة، بالرغم من أنه هو من منحها مفاتيحه ومعها الإذن بالدخول إلى عالمه الغامض الذي تحيط به أسلاك شائكة.
لم يعتد على الاستسلام، ومعها اكتشف أنه لا يملك إلا أن يستسلم لها ويترك بين يديها مفاتيحه.
هو لم يتركها، لقد اكتشفها بين يديها.
ربما لذلك قررا أن ينفصل عنها بهدوء بلا ضجة أو اختيارات.
كان قرار الرحيل لأنه أحبها بعنف.

#مها_العباسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق