الفراغ بعد رحيلك كان قاتلًا...
رغم كل محاولاتي لملئه، بقي كل شيء بدونك فراغًا واسعًا، يمتص الروح شيئًا فشيئًا.
كان الصمت يزحف نحوي كل مساء، ببطء ووحشية، كوحشٍ خرافي يخرج من ظلال البعيد، وكلما اقترب، ارتجف قلبي أكثر، وكأنني أواجهه وحدي لأول مرة كل مرة.
أمضيت أمسيات طويلة أقاوم حضوره، أتشبث بأي شيء كي لا أسمح له بابتلاعي. لكنني، مع الوقت، استسلمت.
استسلمت لذلك الفراغ الكبير الذي سكنني، حتى أصبحت جزءًا منه... وتلاشيت في داخله.
حاولت التمسك بما تبقى لي من أشياء أحببتها حين كنت وحدي، فقط لأتجنب الغرق بعيدًا عن عالمي.
كنت أعلم يقينًا أنه لن يأتي أحد لينقذني، فغرقت بإرادتي... في الكتابة.
آلاف من الأوراق، آلاف من الكلمات، كنت أكتبك وأهرب إليك من خلال الحروف.
لكن حتى كلماتي فقدت إيمانها بي، أو ربما أنا من فقد الإيمان بها... فأخفيتها عن العيون.
مرّت الأيام.
تراجعت نوبات الحنين شيئًا فشيئًا، وتوقفت رسائلي إليك، واحدة تلو الأخرى.
جمعت كل رسائلي وصورك، وكل الذكريات التي كانت لنا، وضعتها في صندوقٍ خشبي... وأخفيته في مكان بعيد، بعيد بما يكفي حتى لا أضعف وأعود إليك من جديد.
ولأول مرة، اعترفت بيني وبين نفسي أنني لم أحب سوى مرة واحدة، وأنك كنت الرجل الوحيد الذي لمس قلبي، وأيقظه، وجعلني أُقرّ أنني أحب.
وكان ذلك... من أجمل ما حدث لي في حياتي.
الوقوع في حبك كان قدري، وأمنيتي، وحلمي الذي لم أكن أدركه حتى صار حقيقًة.
أغلقت الصندوق الخشبي لسنواتٍ طويلة...
وأكملت الحياة، بكل تفاصيلها، من دونك.
#مها_العباسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق