19‏/08‏/2025

حُبّي لك ليس حبًا عابرًا،
إنه حب واعٍ يرى ملامحك كما هي،
بكل عيوبك وأخطائك،
يتقبلك ويحبك ويتفهمك كما أنت،
لا كما تتوق الرغبة أن تكون.
إنه حب موجوع،
شرس حين يلوّح بالرحيل،
وعنيد حين يتمسّك بالبقاء.
يغضب فيخلع الأبواب ويرحل،
ويهدأ فيغلق النوافذ على العواصف قبل أن تقتحمنا.
يصمت كثيرًا… لكنه يحتفظ بما تبقّى،
ويظل، رغم كل شيء، عاشقًا حتى الثمالة.
هذا الحب جذوره ممتدة عبر سنواتٍ طويلة،
عبر اختلافاتٍ تجاوزناها،
وفراقٍ طال عهده بالعودة،
وصبرٍ لم يُرهق، وغفرانٍ لم ينقطع.
هو مزيج من الاحتواء والاحتضان،
ومن كل المشاعر المتناقضة التي اجتمعنا عليها.
فحبك ليس مجرد إحساس…
حبك هو أنا.

كثيرًا ما تيقنت أن النهاية وقعت،
ظننت أن الطريق انقطع، وأن كل الأبواب أوصدت في وجهي،
لكنني في كل مرة أكتشف أننا لا نعرف سوى الرجوع،
كأن قلوبنا خُلقت بخريطة واحدة،
تعرف كيف تعود إلى بعضها حتى لو أضلّها العقل.
كل فراق كان يتركني مكسورة،
مثقلة بالحنين، فارغة من نفسي،
كأنني أفقد شيئًا لا يُعوَّض مهما مرّ الوقت.
قصتنا لم تعرف يومًا الاستقرار،
تتهاوى ثم تنهض،
تذوب ثم تعود لتتشكل من جديد،
كأنها محكومة بالقيام بعد كل سقوط.
ومع ذلك… لا تنطفئ.
تظل مشتعلة كجمرة تختبئ تحت الرماد،
تتقد كلما مرّت نسمة ذكرى،
كجرحٍ يأبى أن يندمل،
أو وعدٍ لم يجرؤ أحد على إنكاره.
ربما لم تُكتب حكايتنا كي تنتهي،
بل لتظل معلّقة بين الكسر والالتئام،
كأنها ابتُليت بالبقاء،
مهما أنكرتُها بلساني،
ومهما حاولت أن أفرّ منها بقلبي.
لم يكن الفراق قاسيًا لأنه حدث، بل لأنه ترك وراءه علامات استفهام معلّقة، تتدحرج بيننا كأحجار صغيرة تعثرنا في كل خطوة.
هل تكسّرنا معًا تحت ثِقل الحيرة؟
هل انهارت "نحن" كأنها لم تكن سوى وهمٍ مؤقت؟
أم ما زلنا، أنا وأنت، نتأرجح على أطراف السطور، نخشى النقطة الأخيرة التي ستعلن النهاية؟
الموجع في قصتنا أنها بلا ختام…
ليست حكاية تُطوى بسلام، ولا رواية نُعيدها إلى الرف مطمئنين،
بل تظل مفتوحة كنافذة في ليلة عاصفة، يتسرّب منها صدى لم يُكتب بعد.
بين الصمت والكلمات الناقصة، يظل السؤال حاضرًا:
أيّنا ترك يد الآخر أولًا؟
وأيّنا ابتلع الحنان في آخر لحظة خوفًا من أن يفضحه الوداع؟
لم نفترق تمامًا، ولم نبقَ كما كنا…
توقفنا في منتصف الطريق، كمسافر يظل واقفًا على العتبة،
لا هو تراجع للداخل، ولا هو عبر إلى الخارج.
وهنا تكمن المأساة…
مأساة أن تبقى الحكاية حيّة،
لكنها معلّقة، لا تُروى حتى النهاية، ولا تموت ليُطوى ذكرها.

إعتراف مؤجل


أحيانًا تداهمني ملامحك كأنها لم تغب،
تمرّ في داخلي مثل نسمةٍ تعرف طريقها،
فتوقظ كل الحنين الذي حاولت دفنه.
لا شيء قادر على أن يمحو أثرك،
أراك حاضرًا في كل غياب،
وأشعر بك حتى حين أحاول إقناع نفسي أنني تجاوزتك.
الوجوه تتغير من حولي،
الأماكن تفقد بريقها،
لكن ظلك يلازمني،
يمتد بيني وبين الأشياء،
حتى في أبسط التفاصيل:
في كوب قهوة بارد، في أغنية قديمة،
في كلمة عابرة تجعلني أبتسم رغم ثقل قلبي.
أتعلم ما أتمناه؟
أن تهزمك مشاعرك يومًا،
أن تتسلل الحقيقة من بين شفتيك بلا حساب،
وتقول لي إنك اشتقت.
لا أطلب المستحيل،
كل ما أريده أن تخونك الحروف للحظة،
أن يسبقك قلبك قبل عقلك،
فتعترف أنك ما زلت تبحث عني كما أبحث عنك.
حتى ذلك الحين،
سأظل أحتفظ بك في قلبي كسرٍّ كبير،
وأعيش على أمل أن تصيبك زلة صادقة،
تكشف ما عجزتَ عن قوله طويلًا،
وتفضح ذاك الشوق الذي تخبئه عني والعالم.
لأنني أعرف…
أنك مثلي تمامًا،
لم تنسَ، ولن تنسى.

كلما تحدّثت عنك، يزداد شوقي لك أكثر، ويكبر حبّي في قلبي أضعافًا.
أعشق تفاصيلك كلها، وأحب أن أنطق اسمك، حروفه تحمل وقعًا خاصًا في فمي، كأن لها طعمًا لا يشبه شيئًا آخر.

كل تفصيلة فيك محفورة في ذاكرتي:
نظرتك العميقة، ابتسامتك التي تجمع بين الجدّ والمرح، طريقتك في إشعال سيجارتك وإمساكها بين أصابعك، ورميها برفق في زاوية شفتيك، وإخراج الدخان بينما عيناك سارحتان نحو البعيد.
حتى غضبك بطريقته المميزة، وضحكتك الخفيفة حين تحاول أن تخفيها، وملامحك عندما تُستفَز وتقاوم الانفعال… كلها صور لا تغيب عني.

سلامٌ لأول حديث جمعنا، لأول نقاشٍ أسرني بك دون رجعة.
صوتك الدافئ، حروفك الناقصة وطريقتك في نطقها، حنانك الذي كان يطوّقني حتى من خلف الكلمات.
أحب هدوء صوتك عندما تحزن، وكيف تسيطر على غضبك حين يشتدّ بك الانفعال.

معك وحدك، وجدت الطفلة في داخلي مدلّلة، والمرأة الراشدة مفهومة، وكأنك وحدك استطعت أن تمنحني الأمان والاحتواء معًا.