21‏/08‏/2011

شتاء اخر


كانت تشتهى الشتاء, ولياليه الباردة ,وارتعاشه يديها بين يديه تحت المطر ورائحة البن الممتزجة برائحة الشتاء إنها كل تلك التفاصيل التي تعلن احتلالها لكيانك دون أن تستأذن أو حتى تنتظر منك السماح إنها تستوطنك ,وتتوارى ربما بعيد عن الأعين ولكنها تقفز أمام عينيك في كل شتاء, تذكرك بأنها هاهنا ,وبأنها ما رحلت أبدا عنك ,

ففي كل شتاء عندما يأخذها إليه الحنين وتناديها تلك القطرات ,تأخذ شيء من ذكرياتها معه وترحل لهناك حيث كانت تجلس معه, تنظر له

من خلف دخان ينفسه بهدوء, تجلس في نفس المكان تتأمل تلك الوجوه تشتاق عيونه, تحمل تلك الضحكة المتوارية خلف الدخان, تأتيها رائحة البن....... فتبتسم

تنتظر في صمت حضوره المليء بالضجة ليسارع بطلب فنجان القهوة ,ويجلس ليملئ المكان من حولها بصخب, هي تحبه يشعل سيجارته ويطيل النظر لها من خلف دخانه فتبتسم

فهي تعلم متى تصبح لحظته تلك حميمة فهو غالبا ما يدخن كثيرا ولكن بعض الأوقات تصبح لها ملامح خاصة هي وحدها تستطيع التقاط شفرتها فتلتزم الصمت أمامه, حتى يبدأ هو بالكلام فتبتسم

لكل منهم طقوسه الخاصة التي يستوعبها الأخر ربما لا تكون مفهومه, ولكنها ما بينهما لها مذاق مختلف والكثير من المعاني التي تحتويها ما بين لحظاتهما الخاصة

مازالت ممتنة لفنجان القهوة الأول الذي جمعهما فقد كان هو الرسالة الأولى والكلمة الأولى تتذكر مذاقه في فمها كأنها تناولته ألان, فله مذاق مختلف عن كل تلك الفناجين التي تناولتها في حياتها, فهو ممتزج برائحة تبغه وبتلك الحروف التي قالها كل منهما في لقاء أول,هو اللقاء الممتد من ماضيهما البعيد لحاضرهما الاتى

أفاقت من شرودها وهى تتأمل كرسيه الفارغ لم يتبقى منه سوى فنجان قهوة وحيد ينتظره ,وكرسي لا يجلس هو عليه, وعلبه تبغ فارغة تحتفظ ببقاياها في حقيبتها, يبكى قلبها, تلمع عيونها, تلملم أشيائه وترحل من المكان, تغادر فراغ لفراغ أخر .

وعند كل شتاء كان يأخذ علبه دخانه, وكتاب يحمل خطوط متناثرة على صفحاته خطتها بقلمها ذات يوم, كتاب يحمل بصمات الزمن وبقايا عطرها تحتفظ بشذاه الأوراق, ويتجول بين الطرقات.... يسير في طريق مختلف لا يعرفه, تائه بين معالم الدروب, باحثا عن بقايا ليله مضت كانت بينهم, يرهقه المشي تحت المطر..... يرهقه الماضي المتساقط مع قطرات المطر, فيبحث عن مكان يأويه ويضم جسده المنهك , فيذهب هناك يلقى جسده على الكرسي.... ينظر في صمت لكرسيها الفارغ ,يشتاقها ,يشتاق ضحكاتها تتناثر من حوله ,يشتاق عيونها تحاوطه في حنان وتضمه في هدوء ,يسمع تلك الهمسات ,إنها تأتى من مكان ما من حوله يتلفت كمجنون في كل اتجاه يحاول أن يبحث عنها ولكنه لا يجدها ينظر لكرسيها, تعانقه ضحكتها ,يرحل بين نظرات عيونها ,يتمناها في صمت حزين, ينتظرها في رجاء ,يشتاقها,يفتقدها, ويأخذه الحنين, تأخذه رائحة القهوة إليها, يتذكر عشقها للشتاء... هوسها بالمطر .......طفولتها التي تناديه فيحتضنها فتنظر له في امتنان

فهي بين ذراعيه مجرد طفله تحتمي بوجوده من قطرات المطر ينظر لتلك اللمعة في عينيها إنها فرحتها بتلك القطرات وهى تعانقها وتمد كفها الصغير ليلتقط المطر بين أناملها ’يفتقدها بكل تفاصيلها الدقيقة ’بكل جنونها وطفولتها بكل صفاء ضحكتها

كم يفتقدهاكم تفتقده

هناك 4 تعليقات:

  1. وانا كم احبك وكم احب حروفك يا مبدعة الله الله الله على جمالك يا مها واحساسك ورقتك

    ردحذف
  2. من مجدي السباعي

    فهي بين ذراعيه مجرد طفله تحتمي بوجوده من قطرات المطر ينظر لتلك اللمعة في عينيها إنها فرحتها بتلك القطرات وهى تعانقها وتمد كفها الصغير ليلتقط المطر بين أناملها ’يفتقدها بكل تفاصيلها الدقيقة ’بكل جنونها وطفولتها بكل صفاء ضحكتها

    كم يفتقدها

    كم تفتقده
    ساحره كلماتك تمس الاحاسيس الداخليه ةترجها بعنف

    ردحذف
  3. إحساسك و كلماتك أروع ما يكون فعلا
    تأثرت بها حقا !
    إستمرى مبدعة !!

    ردحذف