يغمرنى المطر بإحساس مفعم بالأمان ,ينهمر بهدوء ,يمنحنى تلك الفرصه لأتلوا صلواتي فى صمت لكأن المطر هو ذاك المحراب الذى يمنحنا صفاء الدعاء والخشوع
انها تلك القطرات التى تمد يديها للغريب الاتي من بعيد ,اتقدم فى صمت فى اتجاه خيال ما ينعكس بين قطرات المطر يختبئ بينها وكأنه يعاود التشكل من جديد بين حبات المطر
دائما ما كان ينتظر المطر ليغتسل من متاعبه ,كان يقف طويلا بلا حراك ويمنح المطر كل الحريه فى الانسياب على جسده ويتركه يتخلل روحه نعم فقد كان يشعر بقطرات المطر تسرى تحت جلده وليس مجرد انسيابها عليه,يشعر بنبضات قلبه تتسارع ,يخفق بشده فيتدفق الدم فى عروقه سريعا يشعر بدفئه يسرى ببطيء فى اطرافه انه يولد من جديد من رحم المطر يولد بلا ألم المخاض وبلا فرح الميلاد
انه يعاود التجسد مرة اخرى فى عالم اخر لكأن المطر يأخذه فى ما بين الاماكن والعوالم المختلفه,يشعر وكانه يتوحد مع المطر ويصبح جسده مجرد قطرات تندمج مع قطرات المطر وتنساب فى رذاذ يستقر على اوراق الشجر او بين رمال شاطئ ,يكاد يشعر بانسيابه من بين انامله وتسلله الى اعماقه ,يرتجف خوف وبردا من الولوج اليه والخروج منه من جديد
انه موسم المطر الاول والميلاد المتجدد له فكل موسم مطر يغتسل بين قطراته ساكنا,وحده من يستطيع ان يتخلله وينتزعه من كل تلك الاماكن المختلفه ليدخله عالم خاص
يعشق ذاك النسيم الذى يأتي مع المطر يحمل شذاه فللمطر رائحه محببه تختلط برائحه الياسمين فما بينهما تناغم خاص يمضى تحت المطر يتنفس بهدوء وينظر لأنفاسه تتكثف امامه يحاول ان يقطع الصمت الذى يحاوطه يبحث عن صخب فى دروب المدينه فعجبا للبشر تمنحهم السماء فرصه ذهبيه للاغتسال واعاده الميلاد فيهربون من الطرقات ومن المطر ينظرون له كمجنون يغادر مسكنه ليسير فى المطر يشعر بنظراتهم تخترقه من خلف زجاج منازلهم او تلك المحلات التى يختبئون بداخلها لاحتساء مشروب الشوكولا الساخن ذاك المشروب الشتوى الذى يتلازم مع المطر
يحاول ان ان يتبادل التحيه مع تلك الطرقات التى تركها ورحل عنها ليهرب منه وهاهو يعود لها من جديد فى يوم ممطر ربما هى مصادفه ان يكون اليوم الاول له بين دروب مدينته هو يوم ممطر وهو الذى يعشق المطر
توقف المطر عن الهطول وعادت الطرقات تعج بتلك الوجوه التى تتجول هائمه من جديد لتعاود المدينه ممارسه عادتها الممله فى تجميع وجوة البشر المختلفه
نفضت الطرقات عنها صمت المطر وتسللت الاصوات لتشق الصمت ,قرر ان يمضي ليلته منطلق فى دروب المدينه تارك المساء يقوده بين الدروب ويعبر الجسور لمكان ما بعيد هو يجهله ولكنه يريد الذهاب له معادله غريبه ولكنه ابتسم وقرر ان يستسلم لها,كانت الكثير من الصور تتشكل امامه فى تتابع غريب وتداخل مخيف حول ان يفصلها ليراها اوضح ولكنه فشل فمازالت تتابع بسرعه امام عينيه رغم كل محاولاته ابعادها عن نظرة واستعاده هدوئه من جديد لم يعلم ايحاول ابعادها ام انه يحاول انتشال صورة محدده من بينها وتركها تصاحبه فى تلك الأمسية العجيبه كانت صورتها تتراقص امام عينيه وتتجسد وتزداد وضوح ,تنعكس على زجاج الاماكن المحيطه له وهى تقف ضاحكه تصفف خصلات شعرها بأناملها وتلك القطرات تنساب على وجهها فتزداد فرحا وتترك خصلات شعرها لتلك النسمات تحركها فى فوضويه محببه له كانت تقف امامه الان يشعر بأنفاسها وبدفيء اناملها بين يديه
وبانعكاس ظلها على بحار صغيرة تكونت من قطرات المطر التى نامت فى امان على الطرقات كانت تسير الى جواره لكأنها تخطو بخطوات راقصه على انغام تساقط المطر كان يبتسم لها فقد كان عطرها يختلط برائحه المطر والياسمين وزهر البرتقال الشتوى الذى ينبعث من كل مكان مضى المطر ومضى الشتاء وبالرغم من انها اصبحت مجرد صور تمر بخياله كل شتاء الا انه مازال يتنفس عطرها ويراها تمضى امامه
كان المطر ينتظرها معه وكان هو يتجاهل ذالك فلم يعد يريد ان يتذكر انها كانت ذات يوم معه حاول ان يطوى كل الصور المتتابعه حاول ان ينحيها عن عينيه فهى مجرد صور جميله تستعيدها الذاكرة عندما يهطل المطر وكلما اشتاق لها كان يقترب من تلك الصخور التى تغفوا فى هدوء على الشاطئ توقف امام الصخور ينصت لصوت تكسر الموج على الصخور الذى يشق سكون الليل وكان الزمن قرر ان يختزل تلك الليله فى لحظات تستعيد الماضى وترسمه من جديد على صفحه البحر كانت ليله مختلفه فى صمتها وصخبها تحاوطه بسكون لكأنها اسطورة اخرى تنسج خيوطها فى امسيه ما بلا ترتيب مجرد مصادفه جديده لأعاده ميلاد ماضى ليتشكل من خلاله حاضر مختلف لم يشعر بتلك الساعات التى مرت كان راحل فى ملكوته الخاص تاركا للساعات ان تأخذه الى ما تشاء وكيف تشاء راوده شعور بان يلقى بجسده بين الامواج ويتركها تحركه كيف تشاء الا انها كانت اكثر افكار الليله جنونا فابتسم من جديد وابتعد خطوات عن البحر حتى لا يندفع ليصبح بين الامواج كانت الشمس قد قررت ان تصل اخيرا لتنهى تلك الليله ولكنها مازالت تحاول فى استحياء الظهور ربما كان يريد ان يستمر الليل وسكونه ساعات اخرى ليسترسل فى ذكرياته ومازال بحاجه لمزيد من البوح وترك كل تلك المشاعر المتناقضه بداخله على اعتاب النهار الاتى بعد تلك الليله الممطرة ولكن من الواضح انها قد قررت الانتهاء عند هذا القدر من البوح ولمضى قدما ليوم اخر جديد يأتي لم يعرف كم مضى من الوقت وهو يقف هنا ينظر للأمواج وهى تختلط بأشعة شمس لا يعلم اتنعكس عليها ام تخرج منها لتعانقها كان كل شيء من حوله يمر ايام وشهور وسنوات تمضى معه او بدونه وتظل الاماكن تحمل ذات التفاصيل دون ان تتغير كما كانت فى تلك اللحظات البعيده ليتها تعود من جديد ليتها تعود لم تلبث ان ترددت تلك التساؤلات فى ذهنه مرة اخرى فقد داعبت الامسيه اوتار قلبه واعادت له الكثير من الذكريات المتواريه خلف ابواب الغرف المغلقه بقلبه وكان الزمن قد عاد بمجرد ملامسه المطر لوجهه حاملا معه احلى ما فى الكريات فقد بدت حاضرة وبقوة فى تلك الامسيه التى امتلأت بالمطر والشجن وتناغم الامواج على صخور الشاطئ انها مزيج من كل شيء شوقه وخوفه وانتظاره ورفضه للانتظار وترقبه للاتى من بعيد ورحيله عن ما ينتظر انه المزيج السحرى الذى يصاحب الليالى الممطرة على موانئ العمر فهو يعلم بانه على الجانب الاخر من المدينه هناك من تقف فى نافذتها تداعب المطر بأناملها وتستدعى معه ذكريات المطر الراحل وابتسم عندما اكتمل اشراق الشمس معلنا وبقوة انتهاء امسيته الخاصه فالتفت الى البحر مودعا فى انتظار مطر اخر وعودة اخرى فى امسيه ما ربما تأتى او لا تأتى فلا حدود للحلم ابدا
لحظات ما أنقاها ..برائحة المطر و سحره
ردحذفليتها حقا تأتي من جديد !
رائعة سطورك و احساسك الراقي
دمت بكل الخير أختى
تحياتي