18‏/09‏/2013

طفل يدعونه الغياب



لم تعد تحتمل الحياة وتلك الرحلات المتكررة من اللقاء والرحيل ,
أرهقتها كل التفاصيل التي أصبحت تتصارع بين دروب ذاكرتها
فلعنتها تكمن في تلك الذاكرة التي تحتفظ بك التفاصيل الصغيرة
الكثير من أعواد الثقاب والكثير من بقايا محترقة والعديد من اللحظات الصغيرة
تفاصيل .....تفاصيل ........ تفاصيل
مشاهد متتالية تتوالى عليها في ساعات يومها
أفقدتها صوابها,اختطفت النعاس من عينيها
فهي لعنتها الأبدية
ربما لأنها اعتادت على رحيل كل من تحب فأصبحت ذاكرتها بلا وعى منها تحتفظ بكل تلك التفاصيل
كأنها تستمد منها الونس والدفء
لا تدرك ماذا يحدث
لا تستطيع أن تشعر بشئ ..... فقدت الرغبة في الشعور أو التجاوب مع شئ
تتجول بعينيها وفقط
انه عالم لا مسموح لك بدخوله
تتسلل بهدوء حيث تمنعك كل الأشياء من الولوج له
تخترق الجدران والحدود والمسافات وتمكث بين أطراف الحلم البعيد
إنها تعود لذات الغربة من جديد ..... تجتذبها كرمال متحركة تحاوطها وتمتصها فتغوص بداخلها ببطء
ما الذي حدث ؟؟؟؟ صوت يتردد بداخلها بعمق يبحث عن اجابه
تنظر له في اندهاش
" ما الذى حدث....... ما الذى حدث........ ما الذي حدث"
تُرددها في محاولات التفتيش عن إجابه فهي لا تعلم ما الذي حدث
كانت لحظات سريعة متتالية
تركتها تقف في ذهول ..... تتلفت من حولها فلا تجد غير الفراغ
حتى أنها تخيلت بأن ما حدث لم يحدث
تتسلل البرودة لجسدها تسرى في شرايينها, تحاول أن تتنفس ...... تختنق
تجاهد لتنهض ..... لتخرج من تلك الحياة
لتقف بعيد عنها ..... بعيد عن كل ما فيها ومن فيها
كم من الأبواب والممرات يجب أن نعبر حتى نستقر أخيرا في مكان ندعوه الوطن
كم من الحقائب يجب أن نحمل كي نملؤها بالذكريات والتفاصيل وبقايا من الأشياء التي قد تبدوا بلا قيمه الا لنا فقط
ربما إصرارنا على أن هناك ضوء ينبعث من مكان ما في نهاية الطريق هو ما يدفعنا على السير والمواصلة والغربة والاغتراب الذي أصبح يلازمنا
كنا ومازلنا نشعر بتلك الغصة كلما اقترب موعد الرحيل ينتفض شئ ما بداخلنا لا نعلم اهو حنين أم شوق أم محاوله لعبور جسر خفى يصل ما بيننا وبين رحم الوطن الذي نشتاق
حيث يكون حنيننا يكون وطننا وحيث تستكين أرواحنا تكون جذورنا
حيث يصبح هناك لكل شئ مذاق مختلف أكواب الشاي وأطباق الطعام ورائحة الأنفاس
نحاول كثيرا أن نفتش عن سر طعم الأشياء الخاص الذي يضفيه عليها المكان الا أننا لا نكتشفه أبدا فسره في طيات روح المكان وأرواح بشر المكان
أتعلم كيف تطمئن الروح وتركن إلى القلب وتغفوا في هدوء
إنها تطمئن حين تشعر بدفء المكان يتسلل إليها ويحتضنها ,يرتل على مسامعها تعويذاته السحرية لتستسلم للنعاس في سكون
حين تغفوا على رائحة الحياة و تتسلل إلى انفك ذات مساء بعيد وأنت تجلس هنا على شاطئ الغد
نبتعد عن المكان بحثا عن ما نفتقد نبحث عن ولادتنا الأخرى وعن تلك الحروف الضائعة التي ستكتمل بوجودها أبجديتنا الخاصة
فنحن نسير لقدر مكتوب وخطوات محتومة منذ قديم الأزل
نحاول أن نخبر الوديان بأننا لسنا الا عابرون للمكان
نحمل ذاكرتنا وحقائبنا ونرحل بين الموانئ والمدن
نخبر من نتركهم باننا الرحيل قدر والعودة وعد
سنعتاد ألغربه ووجوه الغرباء
سنشعل في كل يوم في محراب الحضور شمعة الغياب ونصلى لعلنا نعود
أنحاول أن نتسلل بعيد عن تجاعيد السنين التي ترسمها الأيام على وجوهنا
نسافر لعلنا لا ننتظر السنوات تتراكم على أعمارنا
أنشتاق فرح العودة فنغيب
أنشتاق تلك اللهفة في عيونهم فنغادر المكان لنعود له متلهفين عليه منتظرين لهفه في عيون أحببناها
إلى اى مدى سنرحل, إلى متى سنظل نحمل حقائبنا.متى سيكون لنا وطن ومكان
إلى متى سنظل ضائعون في الدروب لا يعرفنا احد ولا يعثر علينا احد
نجوب المدن ونقف أمام شواطئ البحار ونبتعد عن الأحلام لنسافر للأحلام
مهاجرون في كل مكان ولكل مكان
مغادرون الأرض باحثين عن كل ما ضاع منا
نشتاق أجنحة الفراشات تنبت لنا من جديد لنحلق عاليا
ننتظر كامل الغياب لنكتشف كامل العودة
فمن الغياب يولد اليقين ومن اليقين تولد العوده

هناك تعليق واحد: