06‏/01‏/2017

السطر قبل الأخير


عن تلك العزلة التي تمتص الروح سأحدثك، سأخبرك عن تلك الأحداث الصغيرة التي تحاوطك لتختطفك وتقذف بك لعالم من الفراغ، كثير من الأشياء التي لم تكن احد اختياراتك يوما ولكنها مفروضة عليك، وحدك في عالم بعيد تتجرع مرارة قهوتك، وتبتسم بحزن وتهمس لا شيء يهم.
ربما تكون تلك العزلة هي التي دفعتني للتعلق بكثير من العابرين، جعلت منى طفلة سريعة التعلق وسريعة الرحيل، لم أجيد يوما فن الحديث والبوح وتلك الجلسات الاجتماعية الممتدة، فقد كان للوحدة اثر بالغ على روحي، ربما لم تكن تلك العزلة في البداية اختيار بل قدر، ولكن مع الوقت اكتشفت بأنني أصبحت اسكن صندوق زجاجي، بنيت من حوله أسوار عالية حتى لا يقترب احد.
يوما ما كانت تجذبني البدايات وتلك الأشياء الأولى، النظرة الأولى، السلام الأول، الابتسامة الأولى، الأحاديث....الضحكات، في يوما ما حدثتك عن بدايات العام، عام أخر يمضى ... لا جديد.
ذات الصباح ....فنجان القهوة ...وكثير من الحيرة.
هل مازلت اندهش للبدايات وأحاول تخمين ما قد سيأتي بعدها، أم أنني ما عدت أُبالى لشيء؟
أحقا تستطيع تلك الهزائم أن تُغيرنا حتى أننا لا نعود نعرف أنفسنا؟
أصبحنا نختلف مع ذاتنا كثيرا، لم يعد لنا ذات الشغف بالحياة أو الحكايات
اختلفت كثير من التفاصيل التي كانت تجمعني وذاتي، تغيرت كثيرا يا صديقي عن تلك التي كُنت تعرفها وتحكى لك.
ما عدت أُمارس تلك العادات المسائية التي كنا نمضى أُمسيات طويلة ونحن نضحك منها، ما عاد كوب قهوتي هو صديق المساء، ما عادت تلك الإضاءة الخافتة وكتاب هما أصدقاء الأمسيات الطويلة.
ربما لم يعد المساء صديقي، الم أُخبرك بأنني تغيرت كثيرا، لا اذكر متى كانت المرة الأخيرة التي كنت استمع فيها لتلك الأُغنيات المحببة لي.
متى كان أخر كتاب قرأته؟
متى ومتى؟
لا أريد أن أتذكر فيكفيني أنني ما عدت أتذكرني، الأمر ليس مُجرد هروب أو غياب عن الحياة اليومية وتفاصيلها، وعدت ذات يوم يا صديقي بأن أظل أنا التي تُحب تفاصيلها، ولكن للأسف لم استطع الوفاء بوعدي لك
فانا لا أستطيع فعل الكثير يا صديقي.
هل لتلك الدرجة تَملك منى خوفي؟
وماذا بعد يا صديقي؟
هناك كثير من الأوقات تمُر دون أن نعلم كيف أو لماذا
ما الذي يدور بأذهاننا حين نترك كل شيء ونمضى؟
ما الذي يدفعنا لهدم أنفسنا بأنفسنا؟
إنها تلك الضوضاء التي تملئ عقولنا، ذاك الشتات الذي يمتص أرواحنا
تلك أنا التي أصبحت يا صديقي، أتّقبلني بكل هزيمتي وانكساري وشتاتي
اعلم بأنه مُؤلم ذاك الشعور بالفقد ولكن ما عاد هناك خيارات، لا احد يفهم كيف يجعلك الرحيل فارغ، ينتزع قطعه منك ويظل مكانها خاوي.
هل كل تلك الأسباب كافية لأصبح عاجزة عن الحديث؟
ربما امتص ذاك الفراغ ما تبقى من روحي فامتلأت بالخواء، أمضى النهار لأصل للمساء وأحارب الأرق لأغفو بسلام، ليتني أستطيع التخلص من تلك الغصة التي تتجمع في حلقي كل مساء، كل محاولات الهروب تصبح بلا جدوى حين تضع رأسك على الوسادة، مللت من كوني أتى لك وأنا محمله بالخيبة والهزيمة، أمللت من حزني يا صديق؟
قرأت ذات يوم بأن صديقك الحقيقي هو من تبكى معه لا من تضحك معه، اشعر وكأن شيئا ما قد سُلب من روحي، شيء اجهله ولكن اشعر بألمه، ليتني امتلك كثير من اللحظات الآمنة لأهرب إليها حين تؤلمني الحياة، قليله هي لحظاتي التي أغمض عيني و أتسلل إليها، دائما أنت هناك بينها حيث اهرب حين يرهقني العالم
أنت لحظتي الآمنة التي اقتنصها من بين مخالب الأيام، ليتني أستطيع البقاء هناك حيث لا احد يمكنه العثور علىّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق