01‏/12‏/2016

الرحيل بطائرة ورقية


كنت اعتقد بأن السفر هو الحل....الرحيل بعيدا، حيث لا مكان ولا عنوان
مجرد غريب أخر على قائمه غُرباء المدينة، مجرد رقم يُضاف لتعداد السكان في مكان أخر، تبتعد عن كل ما يجمعك بذاتك.
انه نوع أخر من الهروب تلجأ له حين تضيق بك الأرض والناس، ولكن بعد كثير من الرحيل اكتشفت بأن السفر لم يكن أبدا هو الدواء، بالعكس يزيد الأوجاع، يزيد المشاعر وضوحا، يمنحنا القُدرة على التأكد من حقيقة مشاعرنا، فحين نسافر تتجسد الحقيقة أمامنا، فمن الصعب أن تظل مشاعرك مُشتعلة إلا إن كانت حقيقية وليست مجرد نزوة أو انبهار.
من يرتاد المطارات يعلم جيدا كيف للنداءات الأخيرة أن تبدل مصير أحد الأشخاص لو تجاهلها، دائما هناك فاصل ما بين النداء الأخير وضياع فرصتك في اللحاق برحلتك التي قد يترتب عليها كثير من الخطط المؤجلة والأحداث المصيرية، المطارات والموانئ والمحطات تمنحك الفرصة الحقيقية للاختلاء بنفسك في مفترق طريق فأنت قادم أو مغادر، وحيد، لا أصدقاء أو قيود، لا مواعيد.... مجرد غريب بين غرباء.
كثير من الحكايات تحملها مقاعد المطارات، كثير من الوجوه عبرت هنا بآلاف الحكايات، المطار هو الفارق ما بين عالمين، وأحيانا روحين، فأبدا أنت لن تكون هو ذات الشخص عند عبورك تلك البوابات الفاصلة ما بين العالمين، عالم هو لك وعالم لم يكن لك فيه اختيار.
ستحاول أن تختصر كل شيء في دقائق قليله، الدمعة المُحتقنة في عينيك ومحاوله الفرح الذي ترسم ملامحه على وجهك، الصمت الذي تكتشف بأنك تصل على حافته وتخشى الانزلاق فيه فتسارع بترديد تلك الأغنية التي كنت ترددها هناك، ستتخيل الأقرب لك يقترب منك ويسأل ماذا بك، فتبتسم وتقول لا شيء، تغادر ومعك كثير من مخططات وأحلام وتقف حائر في منتصف الطريق.
وماذا بعد؟
السؤال والصمت والحيرة.
هل ما عدت تهتم لشيء؟
هل غادرت ذاتك حين قررت الرحيل؟
ربما تكون في حاجه لزلزال عنيف لتعود لصوابك من جديد، شيء يمنحك القدرة على الانتباه للتفاصيل من جديد، وربما لا شيء، مجرد رحيل وسفر وعودة، مجرد محاوله لتخلص من تلك الخيبات المتتالية التي أرهقت، كاهلك في السنوات الأخيرة، أن لا يعرفك المحيطين بك تلك حرية تمنحها لك الغربة فأنت تعاود رسم ملامحك من جديد، لست مطالب بتفسير أو تبرير أو إجابة عن تلك الأسئلة السخيفة التي يسألها لك من يعرفك جيدا، ستتحرر من عبئ ما يجب أن تفعل، ستتحرر من تلك القيود التي تُكبل معصميك.
أعترف بأنني أصبحت هشة جدا .....صامته، حين تتكاتف عليك الخيبات والخسائر والخذلان، تصبح لا مبالي لشيء، هناك بعض الخسائر التي لا يعوضها شيء، الخذلان قادر على كسرك وتحويلك إلى بقايا إنسان، من الصعب أن يخذلك من كنت تراهم بعين اليقين حينها ستختلف نظرتك للحياة، ستختلف نظرتك لمن حولك، ببساطه لم يعد شيء يهم فقد خذلك من لم تتوقع منه خُذلان، ستكتفي بتلك الغصة التي في حلقك وتبتسم بمرارة و تنظر في حيرة وتنسحب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق