11‏/04‏/2018

حضن صامت طويل


انه الليل حين يبدد وحدته في محاولات مستميتة لاستعادة صوتك من تلك الطرقات المجهولة، مازال صوتك يتردد هنا بنغمات فيروز وكثير من الأغاني التي تختلط أنغامها بحالتك المزاجية حينها.
انه الليل الطويل الذي يمتد ليصل ما بين حدودك وحدود العالم من حولك، فذاك صمتك الطويل بكل ما يحمل من ضجيج وثورة وجنون ، نعم... فلصمتك صوت ضجيج اسمعه جيدا، فلقد أتقنت معك لغة الصمت وحروفها، صمتك الذي خذلني حين قرر أن يضع من حوله الأسوار ويهجر تلك الأرض التي كانت له وطن.
اخبرني كيف أستطيع أن اكتب عنك وكل الكلمات تفقد معناها حين تكون أمام اسمك؟
كيف تستطيع أن تخبرهم عن من شاركك البكاء لمجرد البكاء دون أن يحاول أن يسال لماذا، أو يجعل من بكاءك مجرد حدث عابر؟
كيف لنا أن نتجنب الحنين؟
كيف ننتزع تلك الذكريات التي من فرط بساطتها تشبثت بقوة بتلابيب أرواحنا و أبت أن ترحل؟
تلك المكالمات الهاتفية التي كانت تبدأ ببساطة وتنتهي ببساطة، لم ابذل يوما مجهود في اختيار الكلمات أو الوقت المناسب، دائما ما كان كل شيء بسيط وسهل، كنا ننساب بسلاسة بداخل أرواحنا ...هكذا كنا، وهكذا تركنا كل شيء ورحلنا، جدران باردة، منفضة سجائرعلى طاولة وحيدة، ملامح باهته تفتش عن عنوان.
لازلت تركض بعيدا، منذ ولادتك وأنت تركض في محاولات مستميتة للوصول لشيء ما، تلك المسافات التي قطعتها وحدك رغم كثرة الوجوه لازالت تحاول أن تجذبك لها ولا تمنحك حريتك أبدا.
كل ما تفتش عنه مكان تضع قدميك عليه دون أن تتعثر من جديد، ترتدي ألف قناع وقناع فقد سئمت كل ما مضى، تحاول الهروب منك ولكنك تعجز عن ذلك، فتضل الطريق لك، تحاول أن تقطع المسافات الطويلة بسرعة، تتمرد على كل شيء، تفقد اهتمامك بكل شيء.
هل حقا أدركت الحقيقة أم انك ما عدت تعرف الطريق؟
من السهل أن تستسلم لتلك الأمواج التي تقذف جسدك لشاطئ بعيد، ربما قد تكون وأدت حلمك وتركته ورحلت، ولكنك أبدا لن تستطيع الكذب عليّ، لن تستطيع أن تخدعني بتلك الأقنعة الخشبية التي ترتديها، لن تخدعني حين تقول لم يعد شيء يهم.
لازلت أراك من خلف الأقنعة، لازلت مؤمنه بك، أرى ذاك القلب الأخضر ينبض حبا للحياة، لن يخدعني قناع ذاك الكهل الذي ترتدية أبدا، أراك من خلف ألف قناع.
لماذا تحاول أن تأسر روحك خلف الأسوار؟
لماذا تكبل قلبك بقيود حتى لا ينطلق؟
اترك روحك تحلق عاليا، أنني أدرك تماما ألمك وصمتك ووحدتك، لا تخدعني ضحكاتك وصوتك العالي، أدرك انك لن تستسلم طويلا وبأنك ستنهض من جديد، سأظل اكتب لك وعنك حتى اكتب من جديد معك.
دائما ما كانت الكتابة إليك هي متعتي السرية التي أواريها عن العيون، كانت الحروف تنساب في سلاسة، وتتدفق الكلمات ببساطة، فهي تعرف طريقها جيدا، لم يكن من السهل أن أتوقف أمام اسمك طويلا قبل أن أرسل لك الرسالة، وربما أتراجع عن إرسالها في أخر لحظة.
لأول مرة اشعر بالخوف والحيرة والتردد أمام كلمة إرسال، ربما لكل شيء مرة أولى ولكنها تلك الأصعب والأكثر إرهاقا.
اكتب لك و أنا للمرة الأولى ارتجف أمام كلماتي، انظر لها طويلا، امحوها لأعاود كتابتها.
اشعر بالحاجة لضمك إلى صدري والبكاء معا، سأخبرك بأني سامحتك بقوة أو ربما لم اغضب منك أبدا، اكتب لك لأخبرك بأني كنت ضعيفة جدا أمام نسيانك، ما استطعت أن استسلم له، دائما ما كنت بقلبي، لا أدرى كيف حدث ذلك، فأنا سريعة النسيان، لا انتظر احد ولا اغفر ولكن معك تتغير كل معادلات الكون، لا اعرف ما الذي تغير، كل ما أدركه بأنك دائما ما كنت مختلف.
هناك دائما لحظات لا تموت، وتفاصيل تظل حاضرة بقوة، تفرض وجودها علينا وتعلن عن نفسها، هناك كلمات لا تنسى ولا تنتهي، هناك لقاء لا يتكرر وحضن لا نخرج منه أبدا.
ممتنة لك لأنك كنت هنا، ممتنة لك لأنك أنت، ممتنة لوجودك ولروحك ولحبك، ممتنة لكل الأمنيات التي جمعتنا وللأحلام التي رسمناها والأماكن التي كنا نخطط للذهاب لها، ممتنة لسنوات العمر التي ضمتنا.
تمر الأيام وما أكثرها في عمرنا وما أسرعها حين نكون معا وما أبطئها حين نفترق، يمر اليوم بألف ذكرى وألف كلمة وألف حلم وأمنية، تزحف عقاربه ببطيء وصمت وحيرة، لا تعلم إلى أين ستمضى؟ والى من ستمضى؟ تظل الحيرة تحوم من حولي فأنت تختلف.
ما بكيت سوى أمامك وعلى كتفك، ما كنت ضعيفة إلا معك، كان دائما ضعفي يتوارى خلف قناع وهمي، وحدك من نزع القناع وضم ضعفي بلطف واخبرني بأني قوية، ما اشتقت يوما لأحد مثلما اشتقت لك، وما أحببت احد يوم مثلما أحببتك.
كيف لا تصبح مختلف ومعك كان كل شيء مختلف لدرجة الجنون، كل شيء واضح وبسيط وسهل، هل أخبرك بشيء جنوني، اعلم بأنك تقرأ رسائلي إليك، اعلم بأنك تكتب لي وان لم ترسلها، أدرك بأنك تشتاق لحضني يضمك، وها أنا أخبرك بأني لا زلت انتظرك واعلم بأنك ستعود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق