16‏/04‏/2018

من خلف زجاج الماضي

كل تلك الذكريات التي احملها تتصارع لتطفوا دائما على السطح، ترفض كل محاولات محوها أو تلاشيها، كل تلك الأماكن تدعونا لأن نعود لها، نزيل الغبار عنها ونفتح نوافذها للشمس.
ماذا سيحدث حينها؟
هل سنلملم كلماتنا ونتركها على الجدران؟
أم أننا سننسى كل شيء ولا نتذكر إلا أننا معا؟
كلما حاولت أن اكتب لك، تعثرت في منتصف الرسالة ولم استطع إكمالها فدائما ما أتوقف في المنتصف، وكأننا لا نملك حق إكمال الحكايات.
لماذا نرحل ونغادر المكان؟ ولماذا نعود؟
كيف نهجر ذكرياتنا وكلماتنا وقلوبنا ونرحل؟
لازلت اهرب من كل شيء للكتابة، اكتب لك، وعنك، لعلك يوم تقرأ رسائلك وتدرك جيدا بأنني كنت دائما هنا، فقط اكتب بلا أمل....ربما، وبكل الأمل أن تصلك رسائلي.
اكتب واكتب ثم أتوقف عن الكتابة، وتهرب الكلمات، فلا أكمل البداية ولا اصل إلى النهاية أبدا.
ربما لان البدايات بسيطة وسهلة، فلا تحتاج لمجهود حتى نكتبها، فكل نهار هو بداية، كل لقاء هو بداية، كل نهاية هي بداية.
أتدرك بأننا حين نقول التقينا من قبل لم نكذب، فكل لقاء أول يسبقه لقاء في مكان ما بعيد، إنها هكذا البدايات.... تتبعها نهايات وحيدة، وما بينهما كثير من الربح والخسارة، المحبة والوحدة والدموع.
دائما ما يكون هناك لقاء أخير يعقبه إسدال الستار وإنهاء الرواية، إنها رغبة جامحة لمعرفة النهاية.
هل هو ملل؟
 أم رغبه في الانتهاء من كل تلك الأمور العالقة في روحك وقلبك؟
تأتى عليك أوقات تريد فيها أن تصمت، مجرد صمت عن كل شيء، سكون...لا صوت، لا كلمات، ولكننا ندرك أن الصمت هو انتحار، فحين لا تقوى على الحياة... تنتحر صمتا.
ولكن في وقت ما لا نعلمه ستنهمر الأحداث، وتمتلئ الأوقات بكثير من الكلمات والحكايات، إنها تلك الدائرة الطبيعية للحياة، فلكل شيء موعد مناسب وما نحن إلا أوراق مبعثرة تتقاذفها الريح لتنقلها من مكان للأخر.
حين كنا نمتنع عن الكلام كنا نشعر بأنه من الأفضل أن تظل كلماتنا قابعة في ركنها البعيد لا نقترب منها ولا تقترب منا.
تتبدل الملامح، وتتبدل الأماكن، وتظل الأرواح كما هي لا تتبدل أبدا، إنها مجرد لحظات تفصل ما بين الحقيقة والوهم، لحظات نصبح بعدها أكثر فهما وإدراكا لما يحدث حولنا.
ربما فقدنا شغفنا بالبحث عن الحقيقة واستسلمنا لما يحدث دون سؤال و لكن ندرك جيدا بأن الأحداث سوف تعود من جديد يوما ما، ربما نختلف في استقبالها، وربما نتجاهلها، ولكنها حتما تعود.
كثيرا ما تعود الأشياء حين نفقد الرغبة بعودتها، ونستقبلها ببرود وأحيانا تعود ونحن أكثر نضجا ونحسن استقبالها، وما بين رحيلها وعودتها نفقد معنى الزمن، فلا نعود ندرك ماذا يعني الأمس أو الغد؟
 فقدنا معنى الأيام و ما عدنا نهتم بالتقويم، فقد تشابهت الأيام والساعات فقدنا انبهارنا بالأحداث، ما عدنا نندهش لشيء، تكفينا نصف ابتسامة و نصف سلام و نصف قدر، فلم اعد اعرف كم مضى على أخر فنجان قهوة شربناه معا؟ فقد مر وقت لا أدرك أطويل هو أم قصير؟ مجرد وقت، فدائما ما كان هناك صخب يحتل روحي، لم يلتزم الهدوء يوما، هو متمرد، صارخ، صاخب، لن يكف عن الثورة إلا بالموت، لن يكف عن ضوضائه، لن يكف عن محاولاته المستميتة في بعثرة بقايا أحاول أن أخفيها بروحي في مكان بعيد.
عادة ما تكتسب الأماكن من روح أصحابها، فهناك أرواح ليست إلا جدران صلبة من الصعب أن تجتازها، وبعض الأماكن جدرانها تحتضنك بنوافذ تتسلل منها الشمس.
لا تهجر مكانك...... فحين ترحل عنه تتحول لروح هائمة لا عنوان لها، و حين تعود لمكانك وتنفض عنه غبار السنين، تتنفس الحياة من جديد وتدرك بأنك ما غبت أبدا عن مكانك، فها هنا تسكن روحك وتستكين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق