11‏/05‏/2025

"منتصف الحكاية"



سأبتعد... وسأصمت...
منذ متى وأنت لا تعرفني؟
كنت أظن أنك تفهمني، تقرأني حتى في صمتي، وفي غضبي، وجنوني، وتدرك أن كل تلك الانفعالات ليست إلا لغة فوضاي الداخلية، هي طريقتي الوحيدة لأقول: "أنا لست بخير".

كنتُ معك أخلع كل أقنعتي، أكون كما أنا، بلا تصنّع، بلا ادّعاء قوة، بلا ضحكات مزيفة.
وفي كل مساء، أذوب وحدي في صمت موجِع، أتمنى لو أستطيع إيقاف هذا العقل الذي لا يكفّ عن التفكير.

أديتُ كل الأدوار التي فرضتها عليّ الحياة، ببراعة موجعة.
وفي كل مرة أمسكتُ بك، أفلتّ يدي.
كنت دائمًا طوق النجاة الذي يلقيه لي القدر، وكنت أتشبّث بك كالغريق، رغم كل شيء.

أعلم، يا صديقي، أنك أنت أيضًا متعب.
أرهقتك الحياة، واعتدت أن تواجه أمواجها بمفردك، فاخترت الوحدة، وربما لم تكن تملك غيرها.
لا تقلق، لم أعد أغضب من اختياراتك، فقد تصالحت مع كل ما كُتب لنا.

أنا لم أعد قوية كما تظن…
أنا الآن هشّة كأوراق الخريف، تتقاذفني الريح بلا حول ولا قوة.
استسلمت.
نعم، استسلمت أخيرًا.

لم أعد أملك إلا الدموع، كلما تذكرت كيف منحنا القدر فرصة ربما كانت الأخيرة، لكنك تركتها تمضي.
يختنق صوتي كلما تذكرت كيف انفرطت الحكاية، كيف انفلتت من بين أيدينا…
لم أتخيل هذا يومًا، حتى في أسوأ كوابيسي.

فما بيننا كان الحقيقة الوحيدة الثابتة في عالمي،
كان الأرض التي وقفت عليها بثبات، التي لم تهتز…
حتى في غيابك، كنت حاضرًا، قويًا، بطيفك، بذكرياتك، بصوتك في رأسي.
كان ذلك كافيًا لأقاوم، لأبقى.

لكنني الآن لا أملك المقاومة.
تركتني في منتصف الحكاية،
بعد أن أشعلت النار في قلبٍ كان باردًا،
قلبٍ حوّلته الأيام إلى جليد، ثم أتيتَ أنت لتذيبه وتحترق بداخله.

استسلمت أخيرًا…
استسلمت للقدر الذي حاربتُه طويلًا،
كنتُ دائمًا أتمنى أن تتمسّك بي كما تمسّكتُ بك،
أن أكون اختيارك،
كما كنتَ دائمًا، كل اختياراتي.

#مها_العباسي
#رسائل_ما_بعد_الغياب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق