16‏/08‏/2025

هناك إنسانٌ واحد،
لم يستطع قلبي أن ينساه يومًا،
ولم أجد في غيابه سوى فراغٍ كبيرٍ يزداد اتساعًا كلما حاولت تجاوزه.
أفتقده أكثر مما قد يتخيل هو نفسه،
فوجوده كان ولا يزال شيئًا مختلفًا،
شيئًا يشبه الحياة حين تبتسم لأول مرة.

أعرف جيدًا أنه يعلم مكانته في داخلي،
يعرف أنني أحبّه حبًا خالصًا لا تشوبه مصلحة،
ولا يبدّله غياب،
ولا تزيحه المسافات ولا الحواجز.
يعرف أن قلبي لم يفتح أبوابه لأحد سواه،
ولن يكون له بديل مهما طال العمر.

دائمًا أبحث عن أثره بين تفاصيل يومي،
بين خبرٍ عابر أو ذكرى قديمة،
أتمنى له الخير في صلاتي،
وأدعوه في سرّي أن يكون بخير،
حتى وإن كنت بعيدة عن عينيه،
فلست بعيدة عن قلبه كما لستُ يومًا بعيدة عن قلبي أنا.

ليته فقط يدرك كم أحبّه،
ليته يشعر بمدى حضوره في قلبي رغم كل الغياب،
ليته يعلم أنني ما زلت أنتظره،
وأني سأظل على العهد،
كأنما نبض قلبي لا يعرف الإيقاع إلا في حضرته،
وكأن الحياة لا تبدأ إلا عند ابتسامته.

إنه بالنسبة لي اللافتة التي كُتِب عليها:
"هنا يبدأ العمر، وهنا يستريح القلب".


الفراق لا يلتهمنا دفعة واحدة،
هو يأتي على مهل، بهدوء غامض، بمزاج صافٍ، كأنه يراقبنا قبل أن ينقضّ.
يأخذ أصواتنا شيئًا فشيئًا، من الكلام الطويل المتواصل إلى همسات متقطعة، حتى نصبح معتادين على السكوت، على الفراغ الذي يملأ المكان والروح.

يأخذ أجسادنا، من دفء العناق والانصهار إلى برودة المنفى، إلى تجمّد العاطفة حولنا.
يأخذنا إلى العدم، خطوة بخطوة، حتى نتلاشى بلا صخب، ونختفي من ذاكرة العالم كما لو لم نكن يومًا.

كنا بالأمس معًا، واليوم أصبحنا ذكرى، و"افترقنا" ما سيُقال، لكن لا أحد يعرف كيف بدأنا، ولا كم قطعنا من طرق الوحدة قبل أن نعود إليها، بهزيمة صامتة، صامتة جدًا، حتى صار الصمت رفيقنا الوحيد، وشاهدًا على اختفاءنا البطيء.
هناك شيء بداخلي يربطني بكِ، شيء عميق، لا أستطيع تفسيره، يجعل قلبي يزداد حبًا لك مع كل لحظة تمر.
هل هو القدر الذي جمعنا، أم تلك المشاعر المشتعلة التي ولدت منذ أول نظرة رأيتك فيها؟
ربما لأنك مختلف عن كل من عرفته، وربما لأنني وجدت فيك ما لم أجد مثله في أحد سواك،
روحك، حضورك، طريقتك في أن تكون، كلها جعلتني أرتبط بك بلا حدود، بلا أسباب واضحة، مجرد حقيقة شعرت بها من أعماق قلبي.

كل لحظة معك تمنحني سببًا جديدًا لأحبك، كل ابتسامة منك تفتح في داخلي عالماً من المشاعر لم أعرفه من قبل، وكل صمتك يهمس لي بما لا تستطيع الكلمات أن تقوله.
معك، تعلمت أن الحب ليس مجرد شعور، بل هو مكان أستقر فيه، هو حضن أعود إليه مهما بعدت، هو دفء يملأ كل فراغاتي ويجعلني أشعر أنني أخيرًا في وطني.

لا أريد أن يقترب من قلبي أحدٌ غيرك، ولا أن أفتح نوافذ روحي لأحدٍ سواك.
لا أريد أن أروي لأحدٍ أحلامي الصغيرة والكبيرة إلا لك، ولا أن أُري جانبي البسيط والساذج إلا أمامك أنت.
لا أريد أن أبني بيتًا في الخيال إلا وأنت أول جدرانه، ولا أن أتصوّر مائدة عشاء دافئة إلا ووجهك في صدر المشهد.

أريدك أنت…
لا لأنني بلا بدائل، ولا لأن الدنيا أغلقت أبوابها في وجهي،
بل لأنك البديل الوحيد الذي يجعل كل الأبواب الأخرى بلا قيمة،
ولأنك الطريق الذي لا أرغب أن أضل عنه، حتى لو تفرعت أمامي كل طرق العالم.

لو جمعوا لي زينة الأرض كلها ووضعوها في كفة،
ووضعوك أنت في الكفة الأخرى،
لأغلقت عيني، وابتسمت، ومددت يدي نحوك…
بكل يقين عاشق يعرف أنه اختار بيته الأخير، وراحته الأبدية.
 

الوقوع فى الحب قدر

سألوني يومًا: كيف وقعتِ في حبه؟
ابتسمتُ وكأن السؤال أعادني دفعة واحدة إلى تلك الليلة البعيدة، ثم قلت: "لا أعلم…".

كل ما أذكره أن الأمر بدأ بكلمات قليلة، محادثة عابرة، بلا ترتيب ولا نية مسبقة.
كان الحديث بسيطًا، دافئًا على نحو غريب، خاليًا من أي مجاملة أو مصلحة، وكأننا نتحدث من قلب الحقيقة بلا أقنعة.
كانت ليلة هادئة، يلفها سكون يشبه ما قبل المطر، والسماء حالكة إلا من قمرٍ يطل بخجل، يراقب العالم كما كنا نراقب نحن حروف بعضنا.

لم أكن أعرفك، وكذلك أنت… لكننا في تلك الساعات القليلة عبرنا مسافات العمر.
تحدثنا في كل شيء؛ عن أحلامنا، مخاوفنا، مواقف مضحكة مرت بنا، وحتى لحظات الحزن التي لا نُطلع عليها أحدًا.
لم نكن نُدرك كم مرّ الوقت، وكأن عقارب الساعة توقفت احترامًا لتلك الليلة.

يوماً بعد يوم، صارت كلماتك عادة، وصوتك ملاذًا، وأصبحتُ أبحث عنك في تفاصيل يومي كما يبحث العطشان عن الماء.
أخبرتك عن هواجسي، عن الجانب الذي لا أريه لأحد، عني كما أنا بلا تعديل.
ولا أعلم كيف ولا متى… لكنك وجدت طريقك إلى قلبي، واستوطنتَه بهدوء.

أحببتك قبل أن أُقرّ أمام نفسي أني أحبك، حتى صار فراقك فكرة ثقيلة لا تحتمل.
لا أدري كيف علقتَ بي، ولا كيف صار اسمك جزءًا من دعائي الصامت.
لكنني أعلم يقينًا أنك كنت خياري دائمًا…
وحين خيّروني بينك وبين الجميع، اخترتك أنت بلا تردد، بلا تفكير، بعينين مغمضتين وكأنني أعود إلى بيتي.

وستبقى اختياري، مهما طال الفراق، ومهما أرهقتنا المسافات،
لأنك لم تكن يومًا صدفة… كنت قدرًا.