29‏/11‏/2016

سطور لا أوراق لها


صديقي العزيز...
راودتني تلك الرغبة المُلحة بالكتابة إليك...
أتعلم ربما هو حنين لتلك الأيام التي كانت المذكرات فيها هي الصديق المسائي الذي يلازمنا، كان كل منا يشعر بكثير من الخصوصية حين يُمسك دفتره ليحكى له يومياته.
هل نسرد الحكايات حتى لا ننساها، أم لتظل باقية أمامنا لا نستطيع منها فرار؟
تغيرت الحياة كثيرا، ربما هذا هو سبب رغبتي الجارفة للكتابة.
أتدرك كيف يعود شعور البدايات حين تنتصف حكايتك، ذاك الشعور بالارتباك والشغف لمعرفة المزيد، والمضي قُدما في طريق لازال مجهول.
كسر حاجز التعود وتجاوزه ليس سهلا، فدائما ما يقتل التعود الحكايات يبطئ، ألكتابه كالحكي مع الغرباء حيث لا قيود، لبعض الوقت تمنيت أن نظل غرباء حتى يظل الشعور الأول يراودنا، ولكن من الصعب أن نظل غرباء فقد تواصلت أرواحنا رغم المسافات.
وقت طويل مضى وأنا لازلت على ذات الحال دون تغيير، أدور في دائرة مُفرغه من الحيرة والفراغ، يقولون بأن التاريخ يُعيد نفسه وأنك حتما ستمر بتلك الأحداث مرة أخرى دون أن تعلم متى، فدائما ما يعود بك الزمن لذات الأحداث بنفس التفاصيل حتى أنك تقف مُندهش لا تدرك كيف حدث ذلك أو لماذا؟
تحاول أن تفسر ما يحدث بشكل منطقي ولكن كن على يقين يا صديقي بأنه لا منطق فيما يحدث لك، فليست كل الأحداث تحتاج لمنطق لتفسيرها، إن الزمن يعود لأنها دائرته التي يدور فيها، ربما لو أصبح يقينك بأن كل الدروب ستوصلك في النهاية لقدرك لاختلفت أمور كثيرة.
دائما ما سينتهي طريقك إلى قدرك، ولكن الاختلاف سيكون في طول الطريق أو قصره، وفى العقبات التي يجب أن تجتازها لتصل، ولكن في النهاية أنت لقدرك، كثيرا ما كنت أتساءل كيف يتشابه كل من يعبر مينائي إلى هذا الحد؟
دائما ما يكون هناك شيء مُشترك بينهم، ربما أجهله في البداية، ولكن مع الوقت اكتشفه، اكتشف أن الاختلاف مجرد أسماء وبعض التفاصيل البسيطة هي ما تُفرقهم عن بعض، ولكن في النهاية هي ذات الروح.
أتدرى ما السؤال الذي أصبح يُلح على ذهني كثيرا الآن ما الذي يجعلنا نمنح كل تلك التعقيدات للحياة؟
لماذا لا نتعامل معها ببساطه، أم أنها رغم بساطتها معقده بما فيه الكفاية حتى لا نستطيع فهمها؟
دائما هناك الأسئلة التي لا إجابة لها ولن يكون، فهي تلك الأسئلة المُصمدة التي تظل هنا دائما بلا إجابة.
الكتابة ما هي إلا توثيق لما نشعر به ونحتار فيه ونعجز عن مشاركته من حولنا، فنلجأ للكلمات لنحكى ونقول ما نفكر به دون أن نشعر بعبء البحث عن من ينصت لنا.
لم اعد أستطيع أن أُدير ظهري للحياة وارحل ببساطه كالماضي، ربما لأنه أصبح هناك كثير من الخيوط المتشابكة التي يصعب فصلها بعضها عن بعض، فقط كل ما أريده هو أن ينتهي كل هذا دون أن تسألني كيف؟ أو لماذا؟
مجرد عبور تلك المنطقة من حياتي كافي لأن اشعر بالراحة، وان كنت لا اعلم ما الذي سيكون بعدها.
هل سيتسع الوقت لي من جديد؟
ها هو سؤال أخر لا إجابة له، مجرد سؤال تُلقيه وسط حديثك وتمضى قدما.
ليس بيدي الآن شيء، فلا تبحث عن إجابات لأسئلتك الحائرة، ستلومني وسنختلف ونتفق، وفى النهاية سأخبرك بأنني أتحمل المسؤلية عن كل شيء، ولكن لم يكن هناك أبدا رفاهية الاختيار، ولكنه كان طريق يجب أن أسير فيه إلى نهايته ربما املك زمام أمري، ولكن ليس بوسعي تبديله.
متشابهان نحن كثيرا يا صديقي وكأن الحياة اختارتنا باختبارات دقيقه لنكون معا، أتدرى أننا رغم كل الاختلاف بيننا نتشابه بجنون، وحيدان نحن وبعيدان عن كل ما حولنا بالرغم من أننا معهم.
اعلم جيدا بأنك أيضا تدور في فلك الماضي حتى وإن كنت مثلي حطمت قيوده وانطلقت، ولكن عذرا فالماضي لا يرحل أبدا وإن كان يختبئ بداخلنا.
سنكتب من جديد تلك الرسائل التي يتركها كل منا للأخر في صندوق بريده وينتظر منه الإجابة، ربما تمنحنا الكتابة بعض الونس، ولكنه من الصعب اعتقاد أن الكتابة ستمحو الألم عنا، بل هي تجعلنا نغوص في تلك الوحشة التي تحاوطنا أكثر وأكثر، فهي تُجردنا من كل ما حاولنا أن نستر به ألامنا، نقف بعد أن نكتب عرايا أمام أنفسنا وأمام من كتبنا له، ربما لذلك دائما ما اكتب رسائلي إليك أنت دون سواك، دائما ما سأكون في انتظار رسالتك التي ستحكى فيها كل شيء، ستحكى ما كانت تخبرني به عيناك دائما، وابدأ لن اكف عن الكتابة إليك حتى وان تأخرت رسالتك وأتمنى ألا تشعر بالملل أو تتأخر.
الكتابة إليك من وقت للأخر هي لقاء بلا موعد، هي رحله عبر الروح حيث ترتاح الروح، ارحل عن كل شيء حين اكتب، أتحرر من قيود المنطق وقيود الحقيقة والواقع، يهاجمني الإرهاق كثيرا هذه الأيام.
لا اعلم كيف تنهار قواي بتلك السرعة واستسلم لنُعاس طويل، استيقظ منه أكثر إنهاكا وتعبا.
الكتابة هي التحرر من كل شيء والانطلاق في أماكن خياليه، لا عنوان لها أو اسم، إنها كالصراخ حين يمر القطار فلن يسمعك احد، ولكنك ستشعر براحه، الكتابة هي معجزتي الصغيرة الكافية لأظل على قيد الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق